مارك بيبلو*
تتنافس الشركاتُ على تحويل غاز ثاني أكسيد الكربون، أحد غازات الدفيئة، إلى منتجاتٍ مفيدة، لكن هناك أسئلةً صعبة ترتبط بالفوائد المناخية المنتظرة.
فكرة مغرية بلا شك. فانبعاثاتُ غاز ثاني أكسيد الكربون الصناعية تؤثر بشكل واضح على احترار المناخ، وكثير من البلدانٌ تسعى جاهدة في الوقت الحالي لاحتجاز الغاز وتخزينه تحت الأرض. لكن ثمة سؤال يطرح نفسه: لماذا لا يُعاد تدوير هذا الغاز في صورة منتجاتٍ نافعة ومُربحة؟ فبما أن عملية إعادة التدوير تتجنب إنتاج المزيد من انبعاثات الكربون، عن طريق استخدام الطاقة المتجددة، أو استغلال الموارد الزائدة التي كانت ستُهدَر لولا هذه التكنولوجيا، فإن ذلك من شأنه أن يُسهم في خفض كميات غاز ثاني أكسيد الكربون التي تضخها الصناعة في الغلاف الجوي، كما أن ذلك من شأنه أن يُقلِّل الطلب على الوقود الأحفوري المُستخدم في التصنيع. ويقول أنصار هذه العملية: إن ذلك سيكون مكسبًا مضاعفًا لحماية المناخ.

يتزايد اهتمام الشركات الكبيرة والصغيرة، على حد سواء، بدخول سوق إعادة التدوير هذا، الذي يوصف عادة بـ«إعادة التدوير إلى الأفضل»، إذ تتسابق الشركات لتسويق مجموعةٍ مدهشة من المنتجات المصنوعة من غاز ثاني أكسيد الكربون. بعضها، مثل الفودكا والماس، سلعٌ تُباع للمتسوقين المهتمين بقضية المناخ، لكن أغلبها يمثل عناصر أساسية في الاقتصاد العالمي، مثل الوقود، والبوليمرات، وغيرها من المواد الكيميائية ومواد البناء. ووفقًا لتقرير صدر عام 2021 من شركة «لوكس ريسيرتش» Lux Research، المتخصصة في أبحاث السوق، والتي يقع مقرها في بوسطن بولاية ماساتشوستس الأمريكية، فإن أكثر من 80 شركة تعمل على ابتكار أساليب جديدة للاستفادة من غاز ثاني أكسيد الكربون. وصحيحٌ أن سوق تلك المنتجات يتسم بصغر حجمه في الوقت الحالي، إذ يقل عن مليار دولار أمريكي، إلا أن شركة «لوكس ريسيرتش» تتوقع أن ينمو إلى 70 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030، بل ربما يصل إلى 550 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2040.
يكتسب هذا النشاط زخمًا في الوقت الحالي، بفضل انخفاض تكلفة الطاقة المتجددة، جنبًا إلى جنب مع زيادة الضرائب المفروضة على الكربون، وغير ذلك من المحفزات المناخية، التي تقنع الشركات بتجنب انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون. وقد تمكَّن الكيميائيون، في الوقت ذاته، من تحسين كفاءة التقنيات الأساسية التي يعتمد عليها ذلك النشاط.
لكن ثمة أسئلة معقدة حول ما إذا كانت عملية إعادة تدوير غاز ثاني أكسيد الكربون ستُحقق التأثير المنتظر على المناخ فعلًا. فكثيرٌ من المنتجات التي تُصنَع بهذه الطريقة لا تُفيد بأي شيءٍ سوى أنها تؤخِّر رحلة الكربون إلى الغلاف الجوي لفترة وجيزة، فالوقود يُحرَق، وتتحلل المنتجات المصنوعة من المواد الكيميائية، وينطلق غاز ثاني أكسيد الكربون المستهلَك أثناء إنتاجها مرة أخرى. وهذا هو ما سيحدث في بلدة تونجيجين: فكثيرٌ من الميثانول المُنتَج سيكون مصيره الحرق في الوقود الذي يستخدمه الأسطول الصيني، بصورة متزايدة، داخل مركباته.
وفي الوقت نفسه، تُشير بعض التقديرات إلى أن السوق العالمية لن تحتجز سوى نسبة مئوية ضئيلة من منتجات غاز ثاني أكسيد الكربون المعاد تدويرها، التي تُطلق إلى الغلاف الجوّي نتيجة أعمال حرق الوقود الأحفوري، التي بلغ معدلها الإجمالي 36 مليار طن في العام المنصرم. فعلى سبيل المثال، سيعمل المصنع التابع لشركة «كاربون ريسايكلينج إنترناشونال» على تحويل كمية تعادل دقيقتين فحسب من إجمالي انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون سنويًا في العالم كله. ويقول نايل ماك دويل، اختصاصي هندسة نُظُم الطاقة في جامعة إمبريال كوليدج لندن: “يمكننا تجنّب كثير من ذلك، وإنفاق قدر أقل بكثير من المال، مقارنة بما سنجنيه من تحويل غاز أكسيد الكربون إلى صور أخرى“.
ويُضيف دويل قائلًا: “إن الافتراض القائل بأننا نستطيع التصدي لمشكلة التغير المناخي بطريقةٍ جذابة اقتصاديًا وسهلة، افتراضٌ ساذجٌ في أفضل الأحوال، وينطوي على نية خداعٍ كبير في أسوئها”. وتزداد هذه المناقشة سخونةً مع التوسع في إعادة تدوير غاز ثاني أكسيد الكربون.
إن استخدام غاز ثاني أكسيد الكربون بوصفه مكوّنًا كيميائيًا ليست بالفكرة الجديدة. فقرابة 200 مليون طن من هذا الغاز تُستخدم سنويًا في حفنة من العمليات، إذ تتفاعل غالبية هذه الكمية مع الأمونيا لإنتاج مركب اليوريا المُستخدم في صناعة الأسمدة. لكن إنتاج الأمونيا يُطلق انبعاثاتٌ إضافية من غاز ثاني أكسيد الكربون، وينطلق كربون اليوريا سريعًا بعد رشه في الحقول، ومن ثم فلا تتحقق فوائد مناخية من هذه الممارسة. كذلك الحال في صناعة النفط، إذ يُحقَن غاز ثاني أكسيد الكربون تحت الأرض للإسهام في استعادة النفط فوق السطح، بيْد أن استخدام ذلك النفط يمكن أن يُولِّد الغاز بكمياتٍ أكبر من تلك التي يجري تخزينها.
أما التغيير الحقيقي في المشهد الآن، فيتمثل في العدد الكبير من الشركات التي تُطوِّر طرقًا جديدةً لإعادة تدوير غاز ثاني أكسيد الكربون، بهدف استغلالها من الناحية السوقية، والترويج لفوائدها المناخية. وتتباين تلك الطرق بين تسخير العمليات البيولوجية وبين استخدام الخلايا الكهروكيميائية أو العوامل الحفَّازة.
إعادة التدوير أم التخزين؟!
تجدر الإشارة إلى أن الطرق التي أوفتْ بالمعايير المطلوبة هي تلك التي نجحتْ في تخزين غاز ثاني أكسيد الكربون بصفةٍ دائمة، من خلال خلط الغاز بالخَبث المتخلف عن مصانع الصلب لصنع لَبنات البناء، على سبيل المثال.
غالبًا ما يُنوِّه الأكاديميون المعنيون بالمناخ، والذين يُجرون تحليلات دورة الحياة، إلى أن التخزينَ الجيولوجي لغاز ثاني أكسيد الكربون أفضلُ من تحويل الغاز؛ نظرًا لأنه يؤدي إلى خفض الانبعاثات بصورة أكبر. وقد يكونون محقين في اعتقادهم هذا، لكنهم بذلك يتجاهلون واقعًا اقتصاديًا قاسيًا، حسبما يُشير سارون، الذي يؤكد قائلًا: “إن إعادة الكربون إلى الأرض مسألةٌ باهظة التكلفة، ولا تحدث على نطاق واسع في وقتنا الحالي. أما البديل لما نفعله اليوم فليس تخزين هذا الغاز، وإنما إطلاقه في أرجاء الغلاف الجوي“.
وإذا استطاع الاقتصاد العالمي أن يضع حدًا لاعتماده على الفحم والنفط والغاز في نهاية المطاف، فربما تحتاج الصناعات المستقبلية إلى عمليات تحويل غاز ثاني أكسيد الكربون المشار إليها لأغراضٍ تتعلق بإنتاج البوليمرات والمواد الكيميائية الأخرى التي نعتمد عليها.
وتقول دي كلاين إنه في كثير من الأحيان، ينتهي الحال بالأكاديميين الذين يُجرون تحليلات دورة الحياة، والشركاتِ التي تعكف على ابتكار نُظُم تحويل غاز ثاني أكسيد الكربون؛ إلى تقديم آراء متباينة بشأن هذه القضايا.
لكنَّ ثمة جانبًا واحدًا يحظى باتفاقٍ واسع النطاق، وهو أن تقنيات إعادة تدوير غاز ثاني أكسيد الكربون ينبغي أن تسحب، في نهاية الأمر، أكبر قدر ممكن من المواد الأولية الناتجة عنها والمطلقة إلى الغلاف الجوي، لا من نفايات الغازات الصناعية.
* مارك بيبلو: صحفي علمي يقيم في مدينة بنريث بالمملكة المتحدة.
المصدر: نيتشر الطبعة العربية